تكمن اهمية الاعلام في الادوار التي يضطلع بها في ايصال مضمون ما او إجراء تفاعل بينه وبين المتلقي وفق اهداف اعدت من قبل القائمين على إدارة المؤسسة الاعلامية. وتتركز الاهمية التي يمثلها الاعلام عبر وسائله في ما تحدثه تلك الوسائل من أثر. يعزز ذلك إتصال الماكنة الاعلامية بجميع مفاصل الحياة الاجتماعية من اعلى هرم في الدولة الى ابسط ما يتمثل من تكوينات اجتماعية وهو المواطن. الحديث عن تقريب وجهات النظر يكاد يكون من أهم الاهداف التي يرسمها إطار الاعلام الفاعل والهادف، يقودنا ذلك إلى خصوصية ما تمر به منطقة الشرق الاوسط وما جاورها حيث تشهد غليان مستمر أعطى للرسالة الاعلامية القائمة ثقلها ومسؤولياتها المضاعفه.ثقلها يتمثل من حيث طبيعة القضايا التي تشغل الرأي العام واصحاب القرار على حد سواء؛ ومسؤولياتها تلك هي التي تحتم عليها إيجاد مخرجا من كل ما هو طارى ومتازم مطروح على طاولة الحوار وموجود في محتويات ما تحمله الاجندات من مشاريع
إن اول تحديات الخطاب الاعلامي جسدته حالات الصراع الداخلي المتمثل بطبيعة الانظمة الحاكمة وهامش الحرية الممنوح والذي يحفز ثقافة قبول الاخر وأدب الحوار والاختلاف ليتمكن من انتاج خطاب قبول الاخر الذي يختلف معه...وصراعا آخر وهو الاكثر شغلا لاهتمام وتطلعات اصحاب القرار وهو طبيعة التعاطي العربي مع مشاريع الغرب وإيجاد تعريف مشترك بامكانه ان يذيب جبال الجليد في كثير من القضايا اهمها الارهاب والامن القومي والعولمة وتبادل المصالح سياسيا واقتصاديا..هناك صراعا خفيا يلف في طياته ظروف ادارة كل بلد وهذا الصراع اول من تلمس تفاصيله(الجماهير العربية )الواقعة بين سلطة الاعلام وبين إعلام السلطة المتحكم في اغلب الاحيان بالمنابر ومفردات خطابها.
ففي التجربة العراقية فيما يخص الاعلام والتعددية التي عدت ملمحا واضحا له يبرز دور الفضائيات في التأسيس لثقافة حوارجديدة فيما يخص الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والتعاطي مع الاخر.وان اردنا تسليط الضوء على اهم ما حققه الاعلام من نجاحات في العراق في مجال تقريب وجهات النظر فإننا نقف على عتبة ثمار ما قدمه الخطاب الاعلامي الذي جمع المتحاورين في ضيافة منابرا حره وصلت أصداءها لاصقاع بعيدة من العالم.
وعبر فكرة الوصول الى مصلحة مشتركة وهي بناء عراق آمن مستقر فتح الاعلام آفاقه الرحبه في برامج جماهيريه وحواريه تبثها الشاشات بشكل مباشر وصار لكل عراقي الحق في التعبير عن رأيه بلا وجل او ضغوط يخشى توجيهها نحوه .ولت سلطة الرقيب التي كانت تكبت الاراء وتحجب البلد ومن فيه عن العالم الخارجي.
اما الرؤية المستخلصة في تقريب وجهات النظر بين الشرق والغرب فهي تتركز في فلسفة الاعلام العربي وما يقف عليه من مرتكزات اولها الاحاطة بما تنقله القنوات الاخرى وتفسير دلالات خطاب الغرب .هناك حلقة يجب ربطها لتكون مفتاح التواصل وبث المفاهيم الحقيقية التي تؤمن بها الشعوب العربية تتمثل في ايصال فهم منطقي للفكر والتراث والسياسة والدين بين اطراف الحوار ،التقريب بين الشرق والغرب يتحقق إذا ما ادراك المتحاورون ان هناك تصحيحا في النظرة السائدة يجب ان يباشر فيه وهذا الامر يتطلب نقاطا مهمة منها طبيعة المحاور(مؤسسة، صحيفة،فضائية،مركز بحثي،شخصية معنوية في إطار العمل الاعلامي ..الخ) وأخرى تتمثل بالامكانيات التقنية والفنية التي يمكن استساغتها من قبل المتلقي.
الحديث عن دور للاعلام يعني الحديث عن اهداف وخطط مبتغاة فيما يبث وينشر.فالمضامين التي ينقلها الاعلام هي إنعكاس واضح المعالم لخطط القنوات في تفسير رؤى متعددة فيما هو سياسي او عقائدي وفق تفسير مدروس.ومن البديهي ويشار له بالقول هو انه(لا توجد وسيلة اعلامية خالية من الاهداف والتوجهات) او ان القائم على القناة التلفزيونية او الموقع الاليكتروني او الصحيفة لم يكن قد وضع في عمل مؤسسته التي يديرها خطوطا عريضه لانطلاقة وجدت لها نهجا واسلوبا خاص يميزها عن سواها.هنالك شريحة عريضة من المتلقين يستمعون ويشاهدون ويطلعون عن قضايا تهمهم في ظل كم هائل من المنابر الاعلامية ويتلخص في هذا الموقع من القول (هل حقق الاعلام والقائمين عليه أدوارا تضطلع بمهمة التقريب في وجهات النظر؟) سؤال اخر يتبادر يسبق البحث عن ادوار للاعلام وهو:هل وضعت قنوات الاعلام على تنوعها في إستراتيجياتها فكرة التقريب بين ما أختلف عليه من آراء ومشاريع مصيرية؟.
وتبرز أهمية الخطاب الاعلامي في تعاطية مع مواضيع إزدادت حدة الجدل بشأنها كالشراكة مع الغرب وإيجاد تفسيرا للعنف وعلاقته بالعقائد التي نشطت في العقود الاخيرة وكثيرا من المواضيع التي كان للمنطقة العربية ان تتعاطى معها في كل حال.
التقريب في وجهات النظر يعني الوقوف على مقربة من مواضيع ابرزها دور الدين والسياسه وتأثيرهما في صياغة ثقافة المواطن..والوصول الى الاسباب الحقيقة التي بأمكانها ان تضعف ولاء الجماعات والافراد للوطن .
هنالك شي مهم في تقييم دور الاعلام؛هو بما يقدمه من طرح ميسر في ايجاد جسور تواصل بين ما اختلف عليه وان المتبنيات في السياسه والدين والاقتصاد قد لا تلتقي إلا عبر نظرة بصيرة لما يتناوله الاعلام في برامجه ومشاريعه لكل ما يدور من أفكار.قد لا تتوافق نظرة السياسي مع ما يؤمن به الاعلام في طرحه لظروف وقضايا المجتمع فكل يحمل وجهته في التغيير. نظرة تقييمه للاهداف والمصالح العامة التي حققها الاعلام قد توصف بالعجز في مواطن كثيرة وهي التأخر في إحداث طفرة في التغيير وتحقيق اهداف بالاتفاق على مشروع سياسي موحد على مستوى الخاصة من النخب والعامة من الجماهير.
نظرة للافق البعيد حول مستقبل المنطقة العربية وطبيعة صياغة الانظمة السياسية والاقتصادية تتطلب رؤية متعمقة حول الكثير من القضايا التي اضرت ببنية المجتمعات وغيرت في طبيعة السلوكيات هنالك بطالة وهنالك فقر وجهل وهناك اهمال او عدم اكتراث في الالتفات الى تاسيس ثقافة وطنية خالصة لا تختلف فيها كل الوجهات وان تعددت اطراف الحوار.وهذا طبعا لايتم إلا اذا كان للاعلام سعيه الجاد وبحثه المتواصل في ايجاد مشتركات بين المنضوين تحت مظلة الوطن الواحد. يمكن للاعلام ان يقطع اشواطا في هذا المضمار وغيره إذا ما انتهج الحياد في كثير من القضايا التي تمس مصلحة المواطن على ان يجد الارضية الديمقراطية التي تجعله وسيلة متوازنه لتأمين الحوار وإلا كيف لوجهات النظر ان تتقارب إن لم يكن هناك ما يؤمن إستمرار وتواصل ذلك الحوار.